سلاح تأهل السعودية للمونديال.. خطة حيرت مانشيني ويعيدها رينارد الآن

شهد العالم في الثاني والعشرين من نوفمبر عام 2022 حدثا استثنائيا في تاريخ بطولات كأس العالم حيث تمكن المنتخب السعودي من تحقيق انتصار تاريخي على نظيره الأرجنتيني الذي كان المرشح الأبرز للفوز باللقب وهو ما تحقق بالفعل لاحقا.
مثلت تلك المباراة درسا كرويا قدمه نجوم الأخضر لرفاق ليونيل ميسي حيث لم يقتصر تفوقهم على النتيجة فقط بل امتد ليشمل الروح القتالية والشجاعة والجرأة في مواجهة أحد عمالقة كرة القدم العالمية متجاوزين كل الفوارق الفنية ليسطروا فوزا بنتيجة هدفين مقابل هدف واحد.
بعد ثلاثة أشهر فقط من نهاية المونديال وتحديدا في مارس 2023 حدث المنعطف الأكبر في مسيرة المنتخب السعودي برحيل المدرب الفرنسي هيرفي رينارد الذي فضل قيادة منتخب سيدات فرنسا ليتم التعاقد مع الإيطالي روبرتو مانشيني الذي جاء بسيرة ذاتية لامعة بعد قيادته منتخب بلاده للفوز بكأس الأمم الأوروبية 2020.
لكن ما لم يدركه مسؤولو الكرة السعودية آنذاك هو أن تجربة مانشيني الناجحة مع إيطاليا كانت استثناء في مسيرته خلال العقد الأخير الذي سبق تعيينه فقبل قيادة الآتزوري لم يحقق المدرب الإيطالي أي نجاح يذكر منذ تجاربه مع إنتر ميلان بين عامي 2004 و2008 ومانشستر سيتي بين 2009 و2013.
حتى مع منتخب إيطاليا لم تكن التجربة ناجحة بالكامل فبعد الفوز باللقب الأوروبي فشل الفريق بشكل مفاجئ في التأهل إلى نهائيات كأس العالم 2022 في قطر بعد هزيمة غير متوقعة أمام منتخب مقدونيا الشمالية.
لم تكن المشكلة الأكبر لمانشيني مع المنتخب السعودي هي النتائج السلبية بقدر ما كانت فقدان الفريق لهويته التي بناها في عهد رينارد فبعد أن كان منتخبا مبادرا يواجه كبار المنافسين بجرأة وشجاعة تحول إلى فريق يعتمد على أسلوب دفاعي متراجع حتى عند مواجهة منتخبات أقل منه في المستوى والإمكانيات.
ركز مانشيني جهوده على حماية مرمى المنتخب السعودي من استقبال الأهداف دون أن يضع خطة واضحة للتسجيل وهو ما أثر سلبا على القدرات الهجومية للاعبي الأخضر وأظهرهم في أسوأ مستوياتهم الفنية على الإطلاق.
ويعد سالم الدوسري قائد المنتخب السعودي أكبر دليل على هذا التراجع حيث قدم أسوأ مستوياته تحت قيادة مانشيني مسجلا هدفين فقط وصانعا هدفا واحدا في ست عشرة مباراة كما أن الأدوار الدفاعية التي كلفه بها المدرب أفقدته الثقة بنفسه وقدرته على التسجيل لدرجة أنه أهدر ركلتي جزاء.
والأمر المثير للدهشة أن هذا النهج الدفاعي لم يحسن من صلابة الفريق دفاعيا حيث استقبلت شباك الأخضر اثنين وعشرين هدفا في ثماني عشرة مباراة وهو معدل يزيد عن هدف في كل مباراة.
رغم الخروج من دور المجموعات في مونديال قطر بعد الخسارة أمام بولندا والمكسيك إلا أن المنتخب السعودي أسر قلوب المتابعين بقدرته على مقارعة الكبار دون أي خوف وهو ما افتقده الفريق في الفترة الأخيرة.
ومما يوضح ميل المدرب الفرنسي السابق هيرفي رينارد للجانب الدفاعي هو عدم اعتماده على الظهير الأيمن سعود عبدالحميد بشكل أساسي خلال ولايته الثانية نظرا لتميز اللاعب بقدراته الهجومية الكبيرة التي قد يصاحبها بعض الضعف في الجانب الدفاعي مفضلا عليه علي مجرشي.
وقد فضل المدرب الفرنسي تجربة عبدالحميد في مراكز أخرى لا تتطلب أدوارا دفاعية كبيرة مثل الجناح الأيمن والأيسر ولاعب الوسط ووصل الأمر إلى استبعاده من المعسكر الذي أقامه المنتخب في التشيك خلال شهر سبتمبر الماضي.
ومع عودة رينارد لقيادة دفة المنتخب السعودي عقب رحيل مانشيني استبشرت الجماهير بعودة هوية الأخضر التي تعتمد على الهجوم أكثر من الدفاع خاصة أمام المنتخبات ذات الترتيب الأدنى.
لكن ما حدث في ولاية رينارد الثانية لم يكن كذلك حيث عجز المدرب الفرنسي عن استعادة الهوية التي أهدرها مانشيني وسار على دربه وقلده بشكل كبير وبدا عليه الميل للدفاع مع الاعتماد على القدرات الفردية للاعبين لتسجيل الأهداف وهو ما ظهر بوضوح في بطولة الكأس الذهبية الصيف الماضي.
ولم يسجل الأخضر سوى هدفين في أربع مباريات بتلك البطولة جاءت في شباك منتخبي هايتي وترينداد وتوباجو الضعيفين بينما استقبلت شباكه خمسة أهداف.
وبشكل عام لم يسجل المنتخب السعودي سوى ثمانية عشر هدفا في ست عشرة مباراة بينما استقبلت شباكه نفس العدد من الأهداف بمعدل يزيد عن الهدف في كل مباراة.
أمام المدرب الفرنسي الآن فرصة لتحرير لاعبيه ومنحهم الجرأة والشجاعة ليكونوا أصحاب المبادرة في مباراتي إندونيسيا والعراق يومي الأربعاء والثلاثاء المقبلين ضمن الملحق الآسيوي المؤهل لنهائيات كأس العالم 2026 في أمريكا وكندا والمكسيك.
ويبشر بعودة الروح الهجومية استدعاء رينارد لسعود عبدالحميد في توقف شهر أكتوبر الجاري لخوض مباراتي إندونيسيا والعراق علما بأن متصدر المجموعة سيتأهل مباشرة نحو المونديال.
إن فرض الحصار على المنافسين والدفاع عن طريق امتلاك الكرة هو ما يميز أي منتخب كبير والمنتخب السعودي من بين أكبر المنتخبات في قارة آسيا وعلى مدربه أن يدرك قيمته حتى يتمكن من قيادته للمونديال من جديد.