خطة ترامب للسلام الأبدي: هل تعيد رسم المنطقة أم تشعل صراعاً جديداً

كشف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن خطة جديدة لإنهاء الحرب في غزة واصفا إياها بأنها قد تحقق السلام الأبدي في الشرق الأوسط وتصنع يوما من أعظم الأيام في تاريخ الحضارة الحديثة وقد جاء هذا الإعلان الهام في البيت الأبيض خلال لقاء جمعه برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
تشكل المبادرة الأمريكية الجديدة تحولا في موقف إدارة ترامب تجاه مستقبل القطاع بعد الحرب وتزيد من حجم الضغط الممارس على نتنياهو للموافقة على اتفاق ينهي الصراع لكن نجاح هذه الخطة على أرض الواقع خلال الأسابيع القادمة سيتوقف بشكل أساسي على حسابات كل من نتنياهو وقيادة حماس وما إذا كان الطرفان يريان أن إنهاء الحرب سيحقق لهما مكاسب أكبر من استمرارها.
أما بالنسبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي وقف إلى جانب الرئيس الأمريكي أثناء الإعلان فقد أعلن موافقة إسرائيل على المبادئ التي طرحها ترامب والتي تتألف من عشرين بندا وذلك على الرغم من الرفض الذي أبداه أحد قادة الجناح اليميني المتشدد في ائتلافه الحاكم لبعض هذه البنود بينما يتهمه معارضوه في الداخل بأنه اعتاد على إفشال الصفقات الناشئة كلما هددت بقاءه السياسي.
في المقابل لم يتضح بعد رد فعل حركة حماس بشكل رسمي على المقترح الجديد غير أن أحد قادتها لم يبد تفاؤلا في تصريح سابق ملمحا إلى أن بنودا كهذه لا تصون المصالح الفلسطينية بالقدر الكافي وأن الحركة لن تقبل بأي خطة لا تضمن انسحابا إسرائيليا كاملا من قطاع غزة.
لا تقدم الخطة في جوهرها اتفاقا تفصيليا بقدر ما هي إطار عمل للمفاوضات أو مجموعة مبادئ كما وصفها ترامب بنفسه وهي بعيدة كل البعد عن كونها خطة مفصلة لإنهاء الحرب حيث أنها لا تتضمن أيا من التفاصيل الحاسمة التي يمكن أن تفشل أي اتفاق سلام محتمل مثل تحديد خطوط الانسحاب الإسرائيلي بدقة أو تفاصيل تحرير الرهائن وهوية المعتقلين الفلسطينيين الذين سيفرج عنهم وشروط إدارة غزة بعد الحرب.
يعتبر الغموض الذي يكتنف الخطة كافيا ليسمح للطرفين بقبولها ظاهريا مع ترك الباب مفتوحا لاستخدام مسار المفاوضات اللاحق كوسيلة لتقويضها وإلقاء مسؤولية الفشل على الطرف المقابل وهذا النمط تكرر بالفعل خلال أشهر من المفاوضات السابقة وإذا حدث مجددا فإن موقف إدارة ترامب سيكون واضحا بالانحياز إلى جانب إسرائيل.
أبلغ ترامب نتنياهو يوم الاثنين أنه في حال رفضت حماس المقترح فإن لديه الدعم الأمريكي الكامل لفعل ما يتعين عليه فعله وهو ما يؤكد الموقف الأمريكي الداعم لإسرائيل في هذا الصراع ويضع مسؤولية نجاح المبادرة أو فشلها بشكل كبير على عاتق الحركة الفلسطينية.
تتصور الخطة التي وضعها مبعوث ترامب ستيف ويتكوف وصهره جاريد كوشنر بعد مشاورات مع إسرائيل ودول أوروبية وعربية منها قطر ومصر كوسيطين إنشاء إدارة محلية تكنوقراطية في غزة لتسيير الخدمات اليومية وتكون هذه الإدارة تحت إشراف مجلس سلام يتمركز في مصر.
كما تنص المبادرة على منح عفو لأعضاء حماس الذين يلتزمون بالتخلي عن سلاحهم بينما يتم نفي الآخرين وتتولى قوة استقرار دولية تنشئها الولايات المتحدة ودول عربية مهمة الأمن ونزع سلاح الفصائل الفلسطينية لضمان عدم تكرار الهجمات مستقبلا.
تشبه هذه المبادرة في طبيعتها الخطة التي أعلنها سلفه جو بايدن في مايو 2024 بهدف التوصل إلى وقف إطلاق نار مرحلي واتفاق لإنهاء الحرب والتي احتاجت ثمانية أشهر قبل أن تطبق إسرائيل وحماس هدنة شملت تبادلا للمحتجزين بينما يسعى ترامب إلى اتفاق شامل يطبق دفعة واحدة.
تستعير الخطة بعض ملامحها من مقترحات سابقة منها الخطة السعودية الفرنسية التي طرحت في يوليو بالإضافة إلى ما عمل عليه رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير الذي سيكون عضوا في مجلس السلام الذي سيرأسه ترامب للإشراف مؤقتا على إدارة غزة.
تنص بنود المبادرة على وقف القتال وانسحاب محدود للقوات الإسرائيلية وإفراج حماس عن جميع الرهائن المتبقين لديها ويعقب ذلك إطلاق سراح مئات المحتجزين الفلسطينيين لدى إسرائيل في صفقة تبادل شاملة.
تثير الخطة مسألة الدولة الفلسطينية بصياغة فضفاضة للغاية حيث تقترح أن إصلاح السلطة الفلسطينية في رام الله قد يتيح أخيرا مسارا ذا مصداقية نحو تقرير المصير وإقامة الدولة وهي لغة أقل حزما مما تطالب به الدول العربية.
مع ذلك ترى الدول العربية في مقترحات ترامب اختراقا مهما لها خاصة بعد أن تخلصت من خطته السابقة في فبراير التي عرفت بمشروع غزة ريفييرا وكانت تنطوي على تهجير قسري للفلسطينيين وتطمئنها على الأقل وجود إشارة إلى الدولة الفلسطينية حتى وإن لم تتضمن التزاما واضحا بها.
تضيف الخطة بندا أساسيا يقول إن إسرائيل لن تحتل أو تضم غزة وهو بند بالغ الأهمية بالنسبة للدول العربية حتى وإن ناقضه نص آخر يمنح إسرائيل الحق في إبقاء قواتها ضمن الطوق الأمني حول غزة.
على الجانب الإسرائيلي يقول نتنياهو إن الإطار برمته يتماشى مع أهدافه لإنهاء الحرب والتي تشمل نزع سلاح حماس وتجريد غزة من السلاح ومنع قيام دولة فلسطينية مستقبلية لكن ليس من الواضح إن كانت بنود نزع السلاح والدولة الفلسطينية ستحظى بقبول لدى أطراف في حكومته أم أنه سيستغل الضغوط لتعديل بعض البنود أو تنقيحها.
في تطور لافت وقبل لحظات من الإعلان المشترك دفع ترامب نتنياهو للاعتذار إلى قطر التي كانت قد طالبت باعتذار بعد الغارة الإسرائيلية التي استهدفت قيادة حماس في الدوحة مطلع هذا الشهر ويعني ذلك أن قطر ستتمكن من العودة للعب دور الوسيط بين إسرائيل وحماس.
وقبيل لقاء ترامب ونتنياهو كثفت إسرائيل قصفها المدفعي والجوي على مدينة غزة حيث نشرت فرقة مدرعة ثالثة ويأتي هذا التصعيد ضمن خطة معلنة للضغط على حماس لكنه جلب مزيدا من الدمار للمدنيين.
أدانت معظم دول العالم هذه العمليات العسكرية بينما يستعد قائد حماس في غزة عز الدين الحداد لما وصفه أحد قادة الحركة الميدانيين بالمعركة الحاسمة الأخيرة بمشاركة نحو خمسة آلاف مقاتل.
كانت دول أوروبية وعربية بقيادة فرنسا والسعودية قد أمضت الصيف في محاولة لإحياء المسار الدبلوماسي مستاءة من السلوك الإسرائيلي على الأرض وزاد ذلك من شعور إسرائيل بالعزلة الدولية خاصة وأن نتنياهو ما يزال موضوع مذكرة توقيف صادرة عن المحكمة الجنائية الدولية بتهم ارتكاب جرائم حرب في غزة.
رأت الدول الأوروبية أن الصراع يخرج عن السيطرة مع تمكين المتشددين في كلا الجانبين لكنها اعتقدت أنه بإمكانها استمالة المعتدلين المتبقين من أجل حل الدولتين الذي تعتبره مستقبلا مشتركا طويلا الأمد للفلسطينيين والإسرائيليين.