فلسفة إنزاجي الهجومية تحيّر عشاق الهلال وتنسف أسطورة المدرب الدفاعي

أثار المدرب الإيطالي سيموني إنزاجي حالة من الحيرة والجدل في أوساط جماهير نادي الهلال السعودي منذ توليه القيادة الفنية للفريق خلفا للبرتغالي جورجي جيسوس حيث يقدم الفريق تحت قيادته هوية فنية متناقضة تجمع بين القوة الهجومية اللافتة والهشاشة الدفاعية المقلقة وهو ما يخالف تماما السمعة التي سبقته كمدرب ينتمي للمدرسة الإيطالية الصارمة.
على الصعيد الهجومي يقدم الهلال أداء لافتا للغاية إذ نجح رجال المدرب إنزاجي في تسجيل ستة عشر هدفا خلال سبع مباريات فقط خاضوها في بداية الموسم وهو معدل تهديفي مرتفع يعكس الفلسفة الهجومية المطبقة. ولم يقتصر الأمر على غزارة الأهداف بل امتد ليشمل تنوع أساليب التسجيل من خلال حلول متعددة تتضمن الاختراق من العمق والتسديدات بعيدة المدى والكرات العرضية المتقنة ما يظهر بصمة المدرب الواضحة في مرونة الخط الأمامي وقدرته على إيجاد الحلول أمام دفاعات الخصوم. ويبرز بشكل خاص الظهير الأيسر الفرنسي ثيو هيرنانديز الذي تحول إلى ما يشبه الجناح الهجومي بتسجيله أربعة أهداف في ست مباريات.
لكن هذه الصورة الهجومية المشرقة يقابلها واقع دفاعي يثير القلق ففي المباريات السبع ذاتها استقبلت شباك الزعيم تسعة أهداف وهو رقم لا يتناسب مع فريق يمتلك سمعة دفاعية قوية. وتجلت هذه المشكلة بوضوح في مباراة الكلاسيكو أمام أهلي جدة التي انتهت بالتعادل بثلاثة أهداف لمثلها حيث ظهرت ثغرات واضحة رغم اعتماد إنزاجي على ستة مدافعين في الدقائق الأخيرة من اللقاء. ويعاني الفريق من وجود مساحات كبيرة خلف الظهيرين وبين خطي الدفاع والوسط وهو ما يستغله المنافسون بسهولة رغم أن إنزاجي يعرف كمدرب متمرس في تطبيق الخطط الدفاعية المحكمة.
هذه الازدواجية في الأداء وضعت الجماهير في حيرة خاصة أن الكثيرين كانوا يتوقعون رؤية فريق منضبط تكتيكيا وصلب دفاعيا بناء على مسيرة إنزاجي التدريبية التي اعتمد فيها غالبا على خطة 3-5-2 بوجود ثلاثة قلوب دفاع. وكان هذا التصور هو سبب رفض بعض المشجعين فكرة قدومه في البداية خوفا من أن يغير هوية الفريق الهجومية التي ترسخت عبر التاريخ ووصلت إلى ذروتها تحت قيادة المدرب السابق جيسوس.
وكانت أولى مفاجآت إنزاجي الكبرى هي الظهور المذهل للفريق في بطولة كأس العالم للأندية 2025 التي تولى المهمة قبل انطلاقها بفترة وجيزة ففي تلك البطولة قدم الهلال أداء متوازنا جمع بين الصلابة الدفاعية والنجاعة الهجومية. ونجح المدرب الإيطالي في تحقيق تعادل تاريخي مع ريال مدريد بنتيجة 1-1 وتعادل سلبي مع سالزبورج النمساوي قبل أن يتغلب على باتشوكا المكسيكي بهدفين دون رد ويتأهل للدور ثمن النهائي. وجاءت المفاجأة الأكبر عندما أقصى مانشستر سيتي بقيادة بيب جوارديولا بنتيجة 4-3 في مباراة مثيرة أحرج فيها إنزاجي المدرب الإسباني تكتيكيا. ورغم الخروج من ربع النهائي بصعوبة أمام فلومينينسي البرازيلي بنتيجة 1-2 غادر الفريق البطولة مرفوع الرأس بعد أن حقق أفضل إنجاز لفريق عربي وآسيوي في النسخة الجديدة من المسابقة.
رغم النتائج الإيجابية بشكل عام في انطلاقة الموسم الحالي لا يزال جزء من جماهير الهلال يشعر بالقلق بسبب غياب هوية فنية واضحة ومستقرة. فالبعض يرى أن الفريق يتأرجح بين اللعب الدفاعي الحذر والمبالغ فيه أحيانا وبين الاندفاع الهجومي السريع في أحيان أخرى مما يجعل شخصية الزعيم غير مستقرة حتى الآن. هذا التذبذب يثير تساؤلات حول قدرة المدرب الإيطالي على بناء مشروع متماسك يمنح الجماهير الثقة والاطمئنان خصوصا مع تزايد التحديات في البطولات المحلية والقارية. ويزيد من حجم الضغط المقارنات الدائمة مع مدربين سابقين نجحوا في فرض أسلوب لعب مميز وتحقيق البطولات التي يتطلع الأزرق لاستعادتها مثل لقبي الدوري وكأس الملك والعودة لمنصات التتويج في دوري أبطال آسيا.